مقدمة:
التخييل انفعال ذهني لا واع تستجيب به
النفس لمقتضى الصور الفنية، فتقوم في طلب موضوعها أو تنفر منه وتتفاداه. ومن ثمة،
فهو نتاج تفاعل جمالي بين الشاعر والمتلقي يتمخض عنه وعي جديد بالعالم والأشياء
مغاير في الطبيعة الإدراكية للوعيين الحسي والعقلي؛ فحين ترتسم في ذهن الشاعر رؤى
خيالية ذات إيحاءات جمالية مؤثرة، ويكتمل وعيه الإبداعي بها، يشكلها بالأسلوب الشعري
المناسب لها، فيبثها في الناس لتثير في نفوسهم وخيالاتهم الانفعالات والرؤى الفنية
ذاتها التي عاشها في تجربته التَّخَيُّلية .
ومن البين أن الحديث عن التخييل هو من
صميم النظر في الجانب الباطني للنفس الإنسانية، ويتصل برصد الحركات الذهنية لقوى
الإدراك النفسي عامة، والخيالي خاصة، ويروم تحديد خصائصها ووظائفها وعلاقاتها. كما
أن النظر في النص الشعري، باعتباره نشاطا تخييليا، ينم عن نضج التفكير العلمي في
الأدب، لأن ذلك يقتضي التخلص من التفسير الخرافي الذي كان يرجع قول الشعر إلى قوى
غيبية خارج الذات الشاعرة، والتركيز بدل ذلك على باطن النفس الإنسانية واعتباره
مصدر الإبداع وباعثه الأساس؛ كما يتطلب أيضا التحرر من الرؤية الشكلية المحدودة
التي تكتفي في تحليل النص الشعري بالوقوف عند مكوناته اللغوية والدلالية ومقوماته
التركيبية والأسلوبية والإيقاعية، والنظر إلى هذه المعطيات بوصفها وسائل فنية ذات
قيمة تخييلية، يوظفها الشاعر لتشكيل الرؤى الجمالية القائمة في خياله وتمثيلها في
ذهن المتلقي لتحرك خيالاته وتؤثر في نفسه.
ولذلك فقد اندرجت عناية الفلاسفة
المسلمين بالتخييل في سياق بحثهم لقوى الإدراك الذهني، ودراستهم لحركية القوى
النفسانية المتحكمة في العملية الإبداعية ككل، وضمن نظرتهم المنطقية ذات الأساس
السيكولوجي للشعر، وهذا ما جعلهم يركزون في المقام الأول على جوهره التخييلي.