الثلاثاء، 14 أبريل 2015

الإبداع بين إرغامات المهنة وحراك الطاقة الخيالية





[جريدة (الشرق) القطرية، عدد 14/04/2015]

الإبداع لحظة نفسية وجمالية يرتهن تحققها بوضع مسافة ذهنية ونفسية بين الذات المبدعة ومحيطها الاجتماعي، ولذلك مالم يتخلص المبدع –لحظة إبداعه- من شروط الواقع وإكراهاته وانشغالاته المادية يتعذر تخلق العمل الإبداعي، وهو أمر طبيعي مادام الأخير نمط من الوعي بالعالم والذات والأشياء مغاير في الطبيعة والجوهر لأنماط الوعي الأخرى من شعور حسي وتفكير عقلي ونحوه...ولنا في تاريخ الأدب العديد من الحكايات التي تؤكد ذلك حين كان المبدعون يحثون نظراءهم والمبتدئين منهم على اختيار آخر الليل أو قصد فضاءات طبيعية بعيدة عن صخب الحياة وغيرها من الوصايا الأدبية المندرجة في طقوس الإبداعية والحاثة عليها...
بيد أن العمل الإبداعي حين يتخلق لا يرتهن باللحظة الزمنية والنفسية التي تخلق فيها ولا يقتصر عليها، بل إن تلك اللحظة تكون حتما نتاجا لسيرورة في الزمن والمكان ترتبط بحالات وفضاءات ومثيرات وبواعث متعددة، الأمر الذي يعني أن اللحظة الإبداعية تحتاج دوما إلى عناية خاصة ومراعاة دقيقة حتى يلامس تخلقها ذرى الجمال والتميز، وهذا ما يطرح سؤال التفرغ بالنسبة للمبدع، فهل الوظيفة تحد من حيوية الفعل الإبداعي وقيمته وحركته؟ أم لا؟ لاشك أن تاريخ الأدب يشهد بمبدعين كبار تميزوا بكتاباتهم وكانوا متفرغين من أي التزام مهني أو وظيفي، وكان الإبداع مهنتهم التي لا مهنة لهم سواها، ولكن التاريخ ذاته يذكر أدباء خلدت أعمالهم أسماءهم في مجد التاريخ مع أنهم ظلوا يزاولون مهامهم الإدارية والوظيفية في الإدارات العمومية والخاصة، ويكفي أن نذكر في هذا الإطار أدباء كبار وسموا المشهد الأدبي بأعمالهم الخالدة بالرغم من أنهم كانوا موظفين في أسلاك العمل الحكومي أو الخصوصي في المقاولات التجارية أو الصحفية أو غيرها، وإن كنا نذكر في هذا المقام الروائي العالمي الكبير نجيب محفوظ، فإننا لا نعدم نماذج كثيرة في ربوع العالم أجمع، وهي نماذج تؤكد بالملموس أن الوظيفة لا تقتل الإبداع ولا تطوره ضرورة، وتبين من ثمة أن المعول في الفعل الإبداعي قوة الخيال ... وطاقاتها الفنية الكاسرة لكل القيود...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق