الثلاثاء، 23 فبراير 2021

د.يوسف الإدريسي: إرهاصات نشأة النقد في ظلال الإسلام

تنطلق المحاضرة الراهنة من تصور مؤداه أن نزول القرآن على النبي محمد (ص) لم يكن مجرد لحظة ظهر فيها دين جديد أخرج الناس من الظلمات إلى النور فحسب، بل كانت أيضا وأساسا، خاصة على المستويين الفكري والنقدي، لحظة الإيذان بالتحول من التفاعل الجمالي والوجداني مع الشعر إلى مقاربته ومساءلته في علاقته بالذات والعالم وباللغة باعتبارها وسيلة للتعبير وأداة لنقل المواقف والتأثير في الناس، ولذلك كانت في تصور المحاضرة لحظة نزول الوحي مطبوعة في بدايتها بصراع حاد بين نصين: الشعر الجاهلي والقرآن الكريم، ذلك أنه إذا كان الأول قد مثل الأول ذاكرة جمالية ومرجعية ثقافية للعرب منذ العهود السحيقة لحضارتهم قبل الإسلام، وجسد ديوانهم الرئيس والمهين الذي لا تستقيم حياتهم ولا تقوم دونه، فإن الثاني جديد جاء ليزيل النص السابق عن مكانته ويحل محله، ويصبح المرجع الأساس للعرب، وهو صراع تجسد جليا من خلال تخصيص كل واحد منهما حيزا للآخر لتقييمه والحكم عليه.
وفي إطار صيغ التقييم والحكم التي مثلت في ظني المحاولات الأولى لمقاربة الخطاب وصياغة جملة تصورات وأحكام وآراء بصدده لغة وبنية ووظيفة، جاءت آيات الشعراء وفتحت الباب للنظر والحكم النقديين، وهو ما مكنها من صياغة أول الإرهاصات النقدية عند العرب قديما. ولئن كانت المحاضرة الراهنة تؤكد الطبيعة القدسية للقرآن الكريم، فإنها تنبه أيضا إلى قيمة وفاعلية آيات الشعراء في توجيه الأفكار وتنبيه الأذواق نحو طبيعة الشعر وخصوصيته التعبيرية والجمالية، وهو ما سيسهم في ظهور الإرهاصات النقدية الأولى من خلال جملة أحكام وآراء صيغت -بالنظر إلى غياب العلم- بلغة الإيحاء وأساليب المجاز للتنبيه على جملة خصائص فنية وجمالية في الشعر والتأكيد عليها، والتي ستميز آراء وأحكام الرسول (ص) والخلفاء الراشدين (ض).
وبعد عرض كل تلك الآراء والتصورات انتهت المحاضرة إلى أن مختلف الأحكام حول الشعر والشعراء في صدر الإسلام انطوت على مواقف جمالية ذات ملامح نقدية، وأسست بذلك وعيا غير مسبوق في سيرورة تشكل النقد، تجلى أساسا في كونها وضعت الشعر موضع نظر ومساءلة، وقراءتها له بمنظار قيمي متصل بالإسلام وتعاليمه، مما جعلها محكومة بالسعي نحو إخضاع الموقف الجمالي للمقوم الديني، ومهد من خلالها لطرح أسئلة الشعر والشعرية ودرجات والحكم عليه، وهي أسئلة ستمثل منطلقات اللحظة اللاحقة، كما ستوضح المحاضرة الثامنة.


الثلاثاء، 9 فبراير 2021

د.يوسف الإدريسي: خطاب النقد القديم وتكون أنساقه- مشروع قراءة جديدة

تعنى المحاضرة الراهنة بالنظر في بدايات تشكل خطاب النقد القديم عند العرب، والبحث في جملة التحولات التي مست الأذواق الشعرية والجمالية، وطالت الأوعاء النظرية والمفهومية، والتي أسهمت في بداية تبلور الفكر النقدي عند العرب، ومكنت من تحول كلمة نقد من سياقات استعمالها اللغوي ومجالات توظيفها الدلالي والتداولي إلى مجال الممارسة النقدية حيث أصبحت مصطلحا يدل على تلك الممارسة ويسميها ويميزها عن غيرها من الممارسات العلمية، ذلك التحول الذي جاء في سياق جدل الاتصال والانفصال واستمر متصاعدا في سيرورة هاجس التأسيس الفعلي للنقد، من خلال الصراع الذي دار بين المتأدبين والشعراء واللغويين حول الأحقية بالحكم على الشعر وتقييم تجارب الشعراء وقصائدهم الشعرية، وهو الصراع الذي أثمر جملة مواقف وأحكام شكلت في مجموعها لحظات القطع مع آراء ومواقف سابقة واستبدالها بأخرى جديدة ... وبآفاق مغايرة ضمن ذلك الجدل: جدل الاتصال والانفصال الذي قام على التخلي عن عناصر من اللحظات الجمالية والثقافية السالفة واستثمار عناصر أخرى وتطويرها والذهاب بها بعيدا في سيرورة تشكل النقد وتطوره، الأمر الذي أدى في النهاية إلى ارتقاء الوعي وتطوره، وسمح بنضح الممارسة النقدية وتولد المصطلح الدال عليها، والمرتبط بها بعد أن تخلت الكلمة المرتبطة به عن دلالاتها اللغوية الراسخة في النشاط اليومي والسلوك الاجتماعي للعرب حتى القرن الثاني للهجرة.